القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
محاضرات في الزواج
12613 مشاهدة
الأنكحة التي هدمها الإسلام

ومعلوم أن الأصل عند الكفار -يعني وبالأخص المشركين من العرب- كانت عندهم أنكحة شرعية؛ فأقروا على ذلك. في حديث في صحيح البخاري عن عائشة ذكرت أن الأنكحة في الجاهلية على أربعة أقسام، فذكرت منهن الزانيات اللاتي يرفعن الرايات، ترفع على بيتها راية علامة على أنها بغي يقصدها كل من يريد الزنا بها، ويسمى هذا زنا عندهم، يعرفونه باسمه، وإذا حملت فإنها تنسب الولد إليها؛ وذلك لأنها لا تعرف من أبوه؛ فينسب الولد إليها.
النكاح الثاني: يسمى نكاح الاستبضاع؛ وهو أن الرجل يرسل زوجته إلى أحد أكابر قومه، ويقول: مكنيه من نفسك، ويسمي ذلك: استبضعي منه؛ يعني خذي منه. فإذا مكنته من نفسها مرة أو مرارا تجنبها زوجها حتى يتبين حملها؛ فيريد بذلك نجابة الولد، فيكون هذا فيه إدخال ولد على غير أبيه. هذا نكاح الاستبضاع.
وهناك نكاح الاشتراك: يدخل –مثلا- عشرة على امرأة، وكلهم يطؤها؛ فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم، ولم يتأخر أحد منهم، وذكّرتهم أنهم وطئوها في يوم كذا وأنها ولدت، ثم تختار واحدا منهم وتقول: هو لك يا فلان –الولد- ولا يستطيع أن يرد عليها. هذه أنكحة أبطلها الإسلام.
أما النكاح الرابع فهو النكاح المعروف: يخطب الرجل ابنة الرجل، ويعقد له عليها. قد لا يكون عندهم الإيجاب المعروف ولا القبول المعروف، ولكن عندهم من العادات ما يكون سببا في أنهم يقنعون بها كزوجة.
والأحرار منهن والمشهورات عيب عندهن الزنا. لما بايع النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء في مكة وقرأ عليهن قول الله تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا أخذ يقرأها عليهن أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا فالتزمن بذلك. ثم قال: وَلَا يَزْنِينَ ؛ فقالت أم معاوية: وهل تزني الحرة؟!! استنكارا أن الحرة تزني، وأنهم ما كانوا يعرفون الزنا إلا في المملوكات؛ فدل ذلك على أنهم يأنفون من هذه الفواحش.
فالحاصل أنهم عندهم شيء من الجهل، وعندهم شيء من المنكرات، ولكن أشراف وأكابر العرب عندهم حماسة وغيرة، وعندهم محبة للتعفف، وحفظ الأنساب. والجهل إنما يكون في بعض العادات؛ فلذلك أبقاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنكحتهم؛ لأن الأصل أنها أنكحة شرعية ليس فيها ما يخالف الشرع؛ فإذا أسلم الزوجان بقيا على نكاحهما.
مر بنا –أيضا- بحث يتعلق بهذا، وهو حكم من تزوج وهو لا يصلي، أو تزوجت وهي لا تصلي. ذكرنا أن هذا النكاح يكون باطلا؛ وذلك لأن المعمول به أن ترك الصلاة كفر. فيقع كثيرا أن بعض الشباب ينشئون على ترك الصلاة، ثم يتزوج وتكون الزوجة عفيفة محافظة على الصلاة، ثم تنصح زوجها وتؤثر فيه؛ فيهتدي؛ فكيف الحال؟ لا بد من تجديد العقد؛ لأنه في حالة العقد لا يحل لها؛ لقوله تعالى: فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ فقد حكم عليه بأنه كافر؛ لتركه للصلاة. فإذا اهتدى وحافظ على الصلاة، أمر بتجديد العقد.
وكذلك العكس لو كانت هي التي لا تصلي، مصرة على ترك الصلاة، ثم اهتدت بعدما تزوجت؛ فلا بد –أيضا- من تجديد العقد، بأن يأتي إلى أبيها ويقول له: جدد لي النكاح؛ فيقول له وعنده شاهدان: اشهد يا فلان وفلان أني قد زوجت فلانا ابنتي فلانة؛ فيشهدهما على القبول ويعطيها –مثلا- صداقا ولو مائة أو مائتين، وتثبت الزوجية بعد ذلك.
أما إذا كان الزوجان في حالة العقد لا يصليان -الرجل والمرأة- ثم اهتديا بعد ذلك فإنهما يبقيان على نكاحهما؛ قياسا على الكفار الذين أسلموا في العهد النبوي، وبقوا على أنكحتهم.
ونعرف –أيضا- أن جميع الملل كذلك؛ إذا أسلم يهوديان وكان النكاح ظاهره الصحة بقيا، وكذلك الوثنيون كالهندوسي والبوذي والنصراني؛ إذا أسلم أحدهم ثم أسلمت معه امرأته في العدة؛ سواء تقدم هو قبلها أو تقدمت؛ بقوا على نكاحهم، ولم نسألهم عن كيفية العقد؛ فنكاح الكفار الأصل فيه الصحة، ولا يسألون عن كيفية عقده.